تاريخ الهاشميين..

الأردن في سنوات: دولة معاصرة تحاكي في تقدمها نماذج من الدول المتقدمة رغم الصعوبات
تاريخ الهاشميين.. قصة مملكة نبتت في إقليم عاصف بالأزمات والمخاطر

في تاريخ وحاضر الهاشميين، من الملك المؤسس عبدالله الأول إلى الملك المعزز عبدالله الثاني، مرورا بأبي الدستور الملك طلال، والملك الباني الحسين رحمه الله، قصة مملكة نبتت في إقليم عاصف بالأزمات والمخاطر، فإرث الشريف الحسين بن علي الذي حمّله أولاده وأحفاده، غدا مملكة عاشت على أرض الأردن دولة مؤسسات وقيم ومبادئ، وهي الدولة التي ورثت رسالة الثورة العربية الكبرى، ومضامينها السامية هوية راسخة، وانتماء للهوية الإسلامية.
وعلى وعد مع تأسيس الأردن إمارة عربية في العام 1920، مع وصول الأمير عبدالله بن الحسين (الذي كان يشغل منصب وزير خارجية الدولة العربية في الحجاز) إليها بناءً على الدعوات التي وجهت للشريف علي بن الحسين من قبل أعيان ووجهاء مناطق شرقي الأردن وأعضاء حزب الاستقلال الذين جاؤوا للاردن من سورية بعد معركة ميسلون 1920.
تكون المملكة وضعت أولى لبنات البناء المؤسسي لمدماك الدولة الأردنية، التي أضحت دولة معاصرة حداثية، تحاكي في تقدمها نماذج من الدول المتقدمة، رغم الصعوبات التي تواجهنا في الأردن وسط إقليم ملتهب لم يعرف الهدوء، وشح في الموارد الطبيعية داخليا.
"فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها...."، هذه الكلمات التي قالها الأمير عبدالله بن الحسين في 15 أيار (مايو) العام 1923 خلال حفل رسمي شارك فيه رجالات الأردن وفلسطين، احتفالا بالاعتراف بالإمارة في المملكة العربية، مبشرا الأمير عبدالله الحاضرين، أن الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الأساسي لشرق الأردن.
فكانت الإمارة مهد بناء ديمقراطي ومؤسسي، فمع نمو الإمارة نمت مؤسساتها السياسية، على وقع حراك صاخب عربي، بين متغيرات وأحداث متعددة، لكن الإمارة عرفت طريق البناء المتراكم وصولا إلى إعلان المملكة الأردنية الهاشمية.

يتبع

مجلس الشورى في العام 1923
بعد أن تم تشكيل أول حكومة في عهدها شهدت الإمارة أول محاولات الإصلاح في نيسان (ابريل) العام 1923 عندما قرر الأمير عبدالله، آنذاك، تأليف مجلس أطلق عليه اسم (مجلس الشورى)، ومع أن هذا المجلس لم يعبر عن الحياة الديمقراطية والبرلمانية بمفهومها الكامل، إلا أنه كان اللبنة الأولى لإنشاء مجلس نيابي منتخب، واستمر العمل بهذا المجلس حتى العام 1927، وقد تركزت جهود الأمير والقوى السياسية في تلك الفترة على الاستقلال التام ووضع دستور للإمارة بعد توفر الشرط الذي طالبت به بريطانيا؛ وهو وجود مجلس نواب وحكومة، لإعطاء حق الاستقلال التام للإمارة. ومع استمرار بريطانيا في وضع العراقيل أمام الأمير عبدالله، بهدف كسب الوقت حتى يتسنى لها الحصول على اتفاق مكتوب مع الإمارة يضمن مصالحها، وفي المقابل لم تتوقف محاولات الأمير عبدالله بتنظيم الحياة السياسية رغم العراقيل البريطانية لإفشال مشروع دستور 1928، حيث ساد السخط الشعبي، وتم رفع شكوى إلى عصبة الأمم من قبل الوفود الشعبية للمطالبة بإيفاد لجنة نزيهة للنظر في تحقق المطالب الوطنية، ما دفع بريطانيا إلى إلغاء مشروع دستور 1928، وكذلك قانون الانتخاب وتقليص السيادة باتباع القوات العسكرية المحلية لأوامر التفتيش في جيوش الإمبراطورية البريطانية، وكذلك قيامها بسلسلة من الإجراءات وتقييد الحريات السياسية الممنوحة للإمارة، وتقليص المساعدات المالية المقدمة للإمارة، الأمر الذي وضع البلاد في حالة هياج عام.
ورغم كل تلك المحاولات إلا أن بريطانيا وتحت الضغط الشعبي وافقت على بعض الإصلاحات ومن أهمها منح الإمارة مجلسا تشريعيا منتخبا في العام 1928، والسماح بتشكيل حكومة وطنية.
ليستمر البناء على الفكرة مع حفظ الهدف من التحييد عن المسار، وظلت جهود المؤسس تركز على البناء المستر وسط عوامل الهدم والتخريب من حوله.
يتبع

استقلال شرقي الأردن
بعد إعلان استقلال شرقي الأردن عن الانتداب البريطاني في 25 - 5-1923، وتوقيع المعاهدة الأردنية البريطانية في مدينة القدس في
20 - -2 1928. صدر العام 1947 قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وأخرى عربية، وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل العام 1948، دخل الأردن الحرب مع إسرائيل إلى جانب الدول العربية، واستطاع الأردن أن يحافظ على القدس وعلى جزء كبير من أراضي الضفة الغربية. وقد تمكنت المملكة قبلها من إعلان استقلالها في 25 من أيار (مايو) 1946، كمملكة مستقلة استقلالا تاما.
وفي العام 1949 عقد مؤتمر بأريحا حضره عدد من وجهاء فلسطين أعلن فيه ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية، وتم انتخاب مجلس نواب جديد وقسمت مقاعده مناصفة بين الضفتين. وفي العام التالي اغتيل الشهيد الملك عبدالله الأول أثناء دخوله بوابة المسجد الأقصى لصلاة يوم الجمعة، بعد أن ترك وراءه مملكة حفرت لها حضورا آمنا مستقرا وسط إقليم ممتلئ بالمتغيرات.
وبعد استشهاد الملك المؤسس عبدالله الأول صار الأمير طلال ملكا للأردن خلفا لوالده في الحكم، ليقدم أهم إنجاز في تاريخ المملكة التي عرفت الحداثة مبكرا، فأصدر دستور العام 1952، والذي يعمل به إلى اليوم مع إجراء بعد التعديلات عليه، ولتشهد المملكة في تلك المرحلة تطورا ديمقراطيا مهما وحياة سياسية زاخرة بالمشاركة الحزبية، لتكرس حياة برلمانية كانت الأكثر تطورا في المنطقة في ذلك الوقت، ولتظل تلك التجربة السياسية في تلك المرحلة نموذجا يدرس في المعاهد والجامعات لأهميتها.

يتبع

تولي الملك الحسين سلطاته الدستورية
ثم تولى جلالة الملك الحسين سلطاته الدستورية بعد الظروف الصحية التي تعرض لها الملك طلال رحمه الله، ولأنه لم يبلغ سوى 17 عاما، جاء مجلس وصاية على العرش وحينما أتم الملك الحسين الثامنة عشرة من عمره تولى سلطاته الدستورية في 11 آب (اغسطس) 1953.
وقد شهدت المملكة في بداية حكم الملك الحسين إعلان جلالته في العام 1956 تعريب قيادة الجيش بإعفاء كلوب باشا من منصبه كقائد للجيش الأردني، وتسليمها إلى ضباط أردنيين.
وبعد هذه المحطة الأهم في تاريخ الأردن، بعد الاستقلال عام 1946 بتعريب قيادة الجيش العربي كان إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية العام 1957، مرحلة مفصلية وتاريخية حاسمة ونقطة تحول في تاريخ بناء الدولة الأردنية.
وفي أعقاب تلك التطورات دخل الأردن إلى جانب الجيوش العربية حرب العام 1967 ضد إسرائيل، وخسر فيها القدس والضفة الغربية، ونزح آلاف الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن. وفي 21 آذار (مارس) 1968 عبرت القوات الإسرائيلية الحدود الأردنية لاحتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن لأسباب تعتبرها إسرائيل "استراتيجية". وقد عبرت النهر فعلاً من عدة محاور مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف. فتصدت لها قوات الجيش العربي الأردني على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت بقوة.
وفي قرية الكرامة اشتبكت القوات العربية الأردنية بالاشتراك مع الفدائيين الفلسطينيين وسكان تلك المنطقة في قتال شرس بالسلاح الأبيض ضد الجيش الإسرائيلي، مما اضطر الإسرائيليين إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم من دون أن يتمكنوا من سحبها معهم. ليتمكن الجيش الأردني في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة دون تحقيق إسرائيل لأهدافها.
وعلى وقع أحداث الستينيات الصاخبة ولج الأردن عقد السبعينيات بخطى كانت تتحدث عن إرادة صادقة في تكريس مبدأ التنمية المستدامة، لكن عوامل الاستقرار، كانت تحول دون تحقيق الإمكانات القصوى في التنمية، فكانت الدولة الأردنية تغذ الخطى قدما في مشاريع البنى التحتية، لكن بتباطؤ مرة وبقلة الإمكانات والموارد مرة أخرى، ليسجل الأردن في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وبدعم عربي بغية تمكين الظهر الفلسطيني من الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، انعطافة مهمة في تاريخ الدولة تنمويا.
فشهدت المملكة مشاريع بنى تحتية ضخمة، ما تزال آثارها على الاقتصاد مشهودة، فبعد أن تكرست المؤسسية في الدولة، وتهيأت دولة القانون، وتوفر الدعم الحقيقي، أخذ الأردن بالنمو المطرد نحو تحقيق أرقام اقتصادية واجتماعية متقدمة.
ولم تخل الساحة الأردنية من انعكاسات المشهد العربي وتداعيات مجمل قضاياه على الساحة الداخلية، وصولا للأزمة الاقتصادية العام 1988، وتداعياتها على الاقتصاد الأردني، لتنهض المملكة بثورة اقتصادية اجتماعية جديدة، على المستوى الرسمي، نشلت أرقام عجز الموازنة والتضخم الاقتصادي والكساد في الأسواق من الحضيض، إلى الانتعاش مجددا، لكن الأزمات والحروب العربية المتتالية ظلت تؤثر سلبا على كل جبهتنا الداخلية.
وعلى أعتاب مؤثرات اقتصادية واجتماعية عصفت بالساحة الداخلية، قرر جلالة الملك الراحل الحسين العام 1989 استئناف الحياة الديمقراطية بعد انقطاع للحياة البرلمانية استمر 23 عاما بسبب ظروف فرضها الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وقبيل هذه الانتخابات خاطب جلالة المغفور له أبناء شعبه الأردني قائلا "إن حرصي على دستورية الحكم لا يعادله إلا حرصي على مصلحتكم ومصلحة الوطن ومصلحة أمتنا العربية ومصلحة الأجيال الآتية من بعدها".
فكانت انتخابات مجلس النواب الحادي عشر نقطة تحول ديمقراطي مهم في تاريخ الدولة الأردنية، والتي أجلست المعارضة والموالاة على ذات مقاعد مجلس النواب، لتؤسس تلك الحالة البرلمانية حالة سياسية صحية بامتياز استمرت حتى انتهاء عمر ذاك المجلس، والتي كانت سلطة تشريعية رقابية سياسية بامتياز. جعلت من مجلس النواب والسلطة التشريعية نظيرا مكافئا للسلطة التنفيذية.

يتبع

ما بين معركتي الحرب والسلام
ومثلما كانت معركة الحرب التي خاضها الأردن بقيادة جلالته رحمه الله بكل شرف وشجاعة، كانت معركة السلام التي توجت بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في السادس والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) العام 1994، حيث أكد الأردن على ثوابته الأساسية والمتمثلة في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط وإقامة سلام مبني على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وبما يضمن تلبية الحقوق الفلسطينية كافة، خصوصا إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وليظل العقد الديمقراطي، مع كل هذه الظروف المؤثرة، نافذا، وهو العقد الذي اختطه الملك الراحل الحسين مع الأردنيين نافذا، فاستمرت الحياة النيابية وسط ظروف صعبة، لكنها راكمت على المنجز السياسي للراحل الحسين وللمملكة الأردنية.
ليستمر البناء في عهد الراحل الحسين، تطورا في البنيان الأردني سياسة واقتصادا واجتماعا، وليبلغ الأردن مكانة عرفت باسم الحسين، حجما وعِظَما، بأضعاف حجم المملكة رقعة بالجغرافيا، إلى أن تراجعت صحة الراحل الحسين بظروف قاسية من المرض، لكنه ظل مرسال خير للشعب الأردني وحاملا لرسالة أجداده؛ جنديا أردنيا هاشميا باقتدار.
إلى أن وجه الحسين طيب الله ثراه رسالة سامية إلى الأمير عبدالله، في وقتها، في السادس والعشرين من كانون الثاني 1999 بعد أن اختاره وليا لعهد المملكة، خاطبه فيها قائلا "وإنني لأتوسم فيك كل الخير وقد تتلمذت على يدي وعرفت أن الأردن العزيز وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى ورسالتها العظيمة، وأنه جزء لا يتجزأ من أمته العربية، وأن الشعب الأردني لا بد وأن يكون كما كان على الدوام في طليعة أبناء أمته في الدفاع عن قضاياهم ومستقبل أجيالهم، وأن هذا الشعب العظيم قد قدم عبر العقود الماضية كل التضحيات الجليلة في سبيل هذه المبادئ والقيم النبيلة السامية، وأنه تحمل في سبيل كل ذلك ما تنوء بحمله الجبال، وأن النشامى والنشميات من أبناء أسرتنا الأردنية الواحدة من شتى المنابت والأصول ما توانوا يوما عن أداء الواجب ولا خذلوا قيادتهم ولا أمتهم، وأنهم كانوا على الدوام رفاق الدرب والمسيرة الأوفياء والمنتمين لوطنهم وأمتهم القادرين على مواجهة الصعاب والتحديات بعزائم لا تلين وبنفوس سمحة كريمة معطاءة، وأن من حقهم على قيادتهم أن تعمل لحاضرهم ومستقبلهم ولتحقيق نهضتهم الشاملة حتى تتسنى لهم الحياة الكريمة وتصان حقوقهم التي كفلها لهم الدستور وان تبقى جباههم مرفوعة لا تنحني إلا لله أو لتقبيل ثرى الوطن العزيز".
حتى أسلم الحسين روحه لبارئها، وسط حضور دولي غير مسبوق لجنازة مهيبة تليق بزعيم عالمي، عرف بتواضعه، إلى جانب إنجازاته الكبيرة. حتى ترك من ورائه أردنا قويا صلبا.

يتبع

الملك عبدالله الثاني يتسلم لواء القيادة
سلم الحسين الباني لواء القيادة للملك عبدالله الثاني المعزز، نجله الأكبر، ومقتديه الأبرز، الذي حمل لواء الأردن خفاقا إلى دول العالم.
وقد أولى جلالة الملك عبدالله الثاني الهم الداخلي جل اهتمامه، وجعل المواطن الأردني محور حراكه، مقدما معالجة الهموم الاقتصادية والاجتماعية كأولوية قصوى، على باقي الأولويات، من دون أن يرخي من حساباته الأولويات السياسية وسط إقليم لم يعرف الهدوء منذ مغادرة الاستعمار عنه.
وأولى جلالة الملك قطاع الشباب "ثروة الوطن وصناع مستقبله" اهتماما كبيرا، حيث يؤكد جلالته دوما، على ضرورة "إيلاء شباب الوطن أعلى درجات الرعاية، تثقيفا وتعليما وتأهيلا وتعزيزا للقيم الوطنية، وتمكينا من كل أدوات النجاح والإنجاز"، بالإضافة إلى حرص جلالته الدائم على دعم المرأة الأردنية وتنمية مشاركتها الفاعلة في عملية اتخاذ وصنع القرار السياسي. إلى جانب حماية المرأة والأسرة والطفل من كل أشكال الاعتداء والعنف، وتطوير التشريعات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف النبيل.
ومنذ أن تحمل الملك عبدالله الثاني أمانة المسؤولية، وجّه جلالته حكوماته للعمل على ترسيخ سيادة القانون والحفاظ على أمن الوطن واستقراره وإدارة شؤون الوطن في مناخ من العدالة والنزاهة وحسن الأداء، ومواكبة تحديات العصر الذي تفرض تحدياته إطلاق طاقات جميع الأردنيين لتجاوزها، والإفادة من فرصة تمكين كل الأردنيين والأردنيات من أدوات العلم والمعرفة والتأهيل. ورؤية جلالته لبناء أردن المستقبل، هي رؤية إصلاحية تحديثية تطويرية شاملة.
فشهد الأردن طفرة تنموية على صعيد المشاريع الاستراتيجية، وسط ديمومة واستمرار في العمل الذي لم يتوقف رغم كل التحديات والمعيقات.
يتبع

بناء الدولة العصرية الحديثة
وقد بدأ عهد جلالته الميمون على خطى القادة الهاشميين في بناء الدولة العصرية الحديثة، والتقدم في مجالات التنمية الشاملة والمستدامة وإرساء أسس العلاقات المتينة مع الدول العربية والإسلامية والصديقة، ودعم وتعزيز مسيرة السلام العالمية، والدعوة لإحقاق حقوق الشعوب وإقرار حقها في تقرير مصيرها، والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، وتنمية المجتمعات.
وجلالة الملك الذي يقود مسيرة الإصلاح الشامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحرص على تعزيز المسيرة الديمقراطية وبناء الأردن الجديد، وصولا إلى مرحلة متميزة من الأداء السياسي لحماية الإنجاز الوطني، والدفاع عن قيم الحرية والعدل والمساواة والتسامح واحترام حقوق الإنسان. فرؤية جلالته لبناء أردن المستقبل، هي رؤية إصلاحية تحديثية شاملة تقوم على إحداث نقلة نوعية في مسيرة العمل والإنجاز والبناء، والاستثمار في العنصر البشري.
وبهمة وعزيمة سار الأردن بقيادة جلالته وتوجيهاته السامية للحكومات التي تشكلت في عهده نحو إصلاحات جذرية شملت شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أثمرت عن تعزيز مكانة الأردن المتميزة بين دول العالم، دولة مؤثرة ترتكز على الإنجاز النوعي وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة.
إن تحسين نوعية حياة المواطن ومواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة وبناء المستقبل الأفضل لجميع الأردنيين، كانت على الدوام في مقدمة أولويات جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث أكد جلالته في الكلمة التي وجهها إلى شعبه الأردني بمناسبة الذكرى العاشرة لتولي جلالته سلطاته الدستورية، "بنينا رؤيتنا لأردن المستقبل، على الاستثمار في الإنسان الأردني وفي تعليمه وتدريبه، وتوفير فرص العمل لكل الشباب، ومأسسة المشاركة في صنع القرار، واعتماد مبدأ اللامركزية في الإدارة، وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة، وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع".
إن الإنسان الأردني هو ثروة الأردن الحقيقية، وتوفير العيش الأفضل للمواطنين وتحسين مستويات حياتهم، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وحماية الطبقة الفقيرة، تشكل أولوية لجلالة الملك، الذي يدعو دوما لتكريس كل الجهود من أجل تحقيقها.
يتبع

"الإنسان الأردني ثروتنا الأولى وغاية التنمية"
وقال جلالته في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة السادس عشر "إن الإنسان الأردني هو ثروتنا الأولى، وهو غاية التنمية وهو وسيلتها، ولذلك يجب أن تضمن الدولة تحقيق العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وحماية الطبقة الفقيرة".
وأضاف جلالته قائلا "كثيرة هي التحديات التي نواجهها، لكن الفرص أكبر، وتاريخنا هو سجل انتصار على التحديات، صنعته إرادة الأردنيين، وعلمهم وتماسكهم. وكذلك بإذن الله سيكون المستقبل، محطات جديدة من الإنجاز والبناء، نبنيها من خلال العمل الجاد، المرتكز إلى الإيمان بقدراتـنا والثقة بأنفسنا".
ولقد شهد الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، العديد من الإنجازات والمبادرات التي هدفت إلى تحقيق التنمية الشاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومواكبة التطورات التكنولوجية والتعليمية، والعمل على تحقيق نمو في الاقتصاد الوطني ووضع الخطط الرامية إلى الإسراع في معالجة مشكلة المديونية الخارجية وتعزيز حقوق الإنسان ودعم الشباب والمرأة .
يتبع

عملية الإصلاح الشامل ومسيرة البناء
ورغم كل الظروف الصعبة والتحديات التي واجهها الأردن، بإمكاناته وموارده المحدودة، فإن عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومسيرة البناء والإنجاز والتطوير والتحديث تسير بخطى ثابتة وواثقة، لبناء المستقبل الأفضل.
ويركز جلالته على أهمية التعددية السياسية وترسيخ دور الأحزاب الوطنية، ويؤكد دوما أن "تحقيق التنمية السياسية، بما يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار، شرط لنجاح كل جوانب الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية الأخرى".
وفي خطاب العرش السامي أكد جلالته على ضرورة " تعديل التشريعات الناظمة للعمل السياسي، والمتعلقة بحقوق المواطنين وحرياتهم، لإيجاد البيئة الكفيلة بتحقيق التنمية السياسية الشاملة". وأضاف "ولأن الإصلاح منظومة سياسية اقتصادية، وإدارية اجتماعية متكاملة، فقد أكدنا على ضرورة أن يواكب الإصلاح الاقتصادي، إصلاح سياسي، يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار".
إلى أن توج جلالة الملك مسيرته الأردنية الإصلاحية، بتوجيه لجان وطنية للعمل على إنجاز قانونين متطورين للأحزاب والانتخابات، بعد توجيهاته السامية بالشروع بتعديل الدستور بما يتواكب مع تطورات المرحلة، والمتغيرات في المنطقة، لتظل المملكة الأردنية الهاشمية، نموذجا في التطوير المستمر، لما فيه خير الوطن والمواطن.
ففي الرسالة التي وجهها جلالته في شهر آذار (مارس) الماضي، إلى رئيس مجلس الأعيان، طاهر المصري، والذي يرأس لجنة الحوار الوطني، التي انتهت أخيرا من توصياتها، أكد جلالته أهمية الوصول إلى صيغة لقانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى إفراز مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين، ويضطلع بدور رائد في تكريس العدالة والنزاهة والشفافية وسيادة القانون، وإحداث نقلة نوعية في العمل النيابي، وأن تتوصل اللجنة إلى تشريع يثري التعددية السياسية والحزبية القائمة، ويكرسها نهجا راسخا، يمكّن القوى السياسية الفاعلة كافة من المشاركة في العملية الديمقراطية وصناعة القرار، عبر أحزاب ذات برامج تعبّر عن طموحات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم، خاصة فئة الشباب منهم.
في وقت كان جلالته قد عهد إلى رئيس الوزراء الأسبق أحمد اللوزي، رئاسة لجنة ملكية مكلفة بمراجعة نصوص الدستور للنظر في أي تعديلات دستورية ملائمة لحاضر ومستقبل الأردن. ووجه جلالته رسالة إلى السيد اللوزي جاء فيها "أما الإطار العام لمهمة هذه اللجنة، فهو العمل على كل ما من شأنه النهوض بالحياة السياسية في السياق الدستوري، على أن تأخذ بالاعتبار ما سيصدر عن لجنة الحوار الوطني من توصيات متعلقة بالتعديلات الدستورية المرتبطة بقانوني الانتخاب والأحزاب، ونؤكد هنا أن غايتنا من ذلك كله هو ترسيخ التوازن بين السلطات، والارتقاء بالأداء السياسي الحزبي والنيابي وصولا إلى صيغة دستورية تمكن مجلس الأمة من القيام بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واستقلالية، بالإضافة إلى تكريس القضاء حكما مستقلا بين مختلف السلطات والهيئات والأطراف، وأن يظل مرفقا مكتمل البناء في جميع درجات التقاضي وأشكاله".
وعلى عهد الهاشميين بنذر أنفسهم جنودا أوفياء لأرض الأردن وشعبه، وقيادتهم إلى العلياء، وجعلهم في مصاف الدول المتقدمة، يكون الملوك الهاشميون شكلوا حلقة مستمرة من القيادة، أخذت بيد الأردن إلى التقدم المستمر.
ففي وجه كل الأنواء العاصفة ظل الهاشميون الممسكين على عهد القيادة والفداء لكل ما فيه خير الأردن وشعبه.