شدد د. نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ومفوض العلاقات الخارجية فيها، على أن القيادة الفلسطينية، مصرة على الاستمرار في مساعيها للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وعلى أن لا عودة للمفاوضات بدون الوقف الكامل للاستيطان ووضع مرجعية واضحة وسقف زمني محدد لها، وأن لا نية لحل السلطة الوطنية الفلسطينية، وإن كان ثمة نقاشات على شكلها في الفترة المقبلة، ومهامها وأدوارها، وعلى أولوية إنجاز ملف المصالحة، وأهمية ما يحصل من تحولات في العلاقات التركية الإسرائيلية، والمصرية الإسرائيلية، وتأثيرها الإيجابي على القضية الفلسطينية، وعلى مزيد من عزل الاحتلال الإسرائيلي.
العضوية الكاملة في الأمم المتحدة
وقال شعث في مؤتمر صحفي عقده في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بمدينة رام الله، أمس: في الأيام الثلاثة الماضية كان هناك اجتماعات مكثفة للقيادة الفلسطينية، بدأت باجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح، ثم باجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فاجتماع موسع جمع اللجنتين وقادة المنظمات الفصائل وشخصيات مستقلة، وخرج الاجتماع برؤية واضحة حول الإصرار على الاستمرار في تقديم طلب العضوية إلى مجلس الأمن الدولي، وليس إلى أي مكان آخر، لأننا تحققنا أنه ليس هناك أي مكان غيره يمكننا من خلاله الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أو على الأقل العمل على العضوية الكاملة، لأننا ندرك أن ثمة "فيتو" أميركي في مجلس الأمن، لكن كان علينا التوجه إلى مجلس الأمن للتدليل على جديتنا في الحصول على استحقاق الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني، في أن تكون دولة عضواً كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
وأضاف شعث: يجري الحديث عن تباطؤ في عملية دراسة وطرح طلب العضوية عبر مجلس الأمن الدولي، وهذا غير صحيح، فالعملية تجري بوتيرة مقبولة، فبعد نصف ساعة من انتهاء خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تسلم رئيس مجلس الأمن الطلب الفلسطيني بالعضوية الكاملة، وبعدها بيومين عقدت أول جلسات النقاش بخصوصها، وأبلغنا أمس، ويعني الجمعة، أن القراءة الأولى للطلب انتهت، وهم في العادة يقومون بقراءتين أو ثلاثة بالحد الأعلى، وبالتالي الأمور متسارعة بشكل جيد.
ولكن شعث استدرك: الآن هناك محاولات لمنع إحراج الولايات المتحدة باستخدام "الفيتو"، خاصة في خضم الربيع العربي، وتنبه الشعوب العربية لحلفائها وأعدائها، ومواقفهم من القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وذلك بأن يضغطوا على أعضاء مجلس الأمن، كي لا يحصل القرار على تسعة أصوات إيجابية، لأنه في حال لم يتوفر لدعمنا التسعة أصوات سيسقط القرار بدون "فيتو" .. كان ثمة نقاش في رام الله حول حساب التسعة أصوات، وأعتقد أن هذا غير ضروري وغير صحي، فهناك تسع دول اعترفت بنا سابقا كدولة مستقلة، ولدينا فيها سفارات معترف بها، وهي: روسيا، والصين، والهند، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، ولبنان، والبرازيل، والغابون، والبوسنة والهرسك .. هذه الدول التسعة تعترف بدولة فلسطينية اعترافاً كاملاً، وأبلغونا أنهم سيصوتون معنا في مجلس الأمن .. لكننا ندرك حجم الضغوطات الهائلة الممارسة عليهم ترغيباً وترهيباً، عبر دولتين، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيلية، وهذا غير جائز، ولا يعكس علاقات دولية سليمة .. نحن سنبقى على اتصال مع هذه الدول التسع، ومع غيرها من الدول حتى التصويت، وخاصة كولومبيا التي تمثل أميركا اللاتينية هي والبرازيل في مجلس الأمن، وموقف أميركا اللاتينية داعم لنا بدون مواربة، وكذلك البرتغال تلك الدولة الصديقة التي لعبنا دوراً كبيراً في إقناع دول العالم للتصويت لها لعضوية مجلس الأمن، وبالتالي قد نحصل على موافقة وتأييد 11 دولة أو يزيد للقرار.
وأضاف شعث: سنذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في ثلاث حالات، الأولى أن نحصل على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، على إثر تصويت مجلس الأمن، والثانية في حال الفشل، والثالثة إذا تم التسويف إلى درجة لا نطيقها.
بيان الرباعية
وبخصوص بيان اللجنة الرباعية الدولية الأخير، قال شعث: أفضل ما في بيان الرباعية الأخير، أنه ألغى الجزء الأكبر من الطلبات الإضافية التي طالبت بها الولايات المتحدة وإسرائيل الرباعية الدولية، ودافع عنها السيد بلير في الأيام التي سبقت توجهنا إلى مجلس الأمن، وهي مطالبات "مذهلة" تلغي تماماً المرجعية الدولية، فهذه المطالب تتضمن الاعتراف بالدولة اليهودية، والاعتراف بالمستوطنات التي انشئت منذ العام 1967، واحتياجات إسرائيل الدفاعية كمرجعية للحدود، ورفض توجهنا إلى الأمم المتحدة، ورفض مساعي الوحدة الوطنية مع حماس، وهذا كله ألغي بعد الرفض الروسي والأوروبي، وهو ما رفضناه بشدة .. هذا ألغي في البيان الأخير، لكن في النهاية هذا البيان يضع كل قواعد اللعبة والمرجعيات الدولية بما فيها خريطة الطريق، التي تطالب بوقف البناء الاستيطاني بكل أشكاله، بما في ذلك ما تسميه إسرائيل بالتمدد الطبيعي، وهم على علم بأن بناء المستوطنات يدمر عملية السلام برمتها، ويقضي على إمكانات إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967، وللأسف ليس هناك عبارات واضحة وصريحة في البيان حول وقف الاستيطان، وهو ما ادعاه نتنياهو حين شدد على أن لا إشارة إلى وقف الاستيطان في بيان الرباعية الأخير، وهو لربما ما دفعه في اليوم التالي للإعلان عن بناء 1100 وحدة استيطانية في القدس المحتلة في العام 1967.
وأضاف: بيان الرباعية سيعيدنا من جديد إلى ما كنا عليه، وبالتالي مفاوضات عقيمة، خاصة أن إسرائيل لا تحترم المرجعيات، ولا أحد في العالم يعاقبها عندما تعتدي على المرجعيات... هذه المفاوضات دامت 20 سنة، ومشكلتها أنه ليس هناك من يعاقب إسرائيل حين تخالف المرجعيات، وما تم الاتفاق عليه برعاية أميركية .. نحن وبمجرد توجهنا لمجلس الأمن الدولي، تواترت أنباء لا أستطيع تأكيدها عن نية الكونغرس الأميركي معاقبة السلطة بحجب 200 مليون دولار عن المساعدات التي كانت مقررة لها، بمعنى أن العقاب ضد الجهة الواقع عليها الظلم والاضطهاد بدأ حتى قبل تحقيق العضوية، في حين أن الجهة التي تمارس الاحتلال، والعنف ضد شعب أعزل، لا تجد من يعاقبها.
وشدد شعث: على الرباعية أن تقول أن مخالفة ما ورد في بيانها، سواء ما يتعلق بالجدول الزمني، أو الأعمال الاستفزازية التي نرى التوسع الاستيطاني على رأسها، سيعاقب، وعلى نتنياهو أن يقبل بأن بيان الرباعية يعني فيما يتعلق بإيقاف الأعمال الاستفزازية، الإيقاف الكامل والشامل للاستيطان، ووقف حصار غزة، وأن يعترف بمرجعية الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 .. في هذه الحالة سنفكر في استئناف المفاوضات، أما الآن فلا سبب حقيقيا يدعونا لتكرار مأساة المفاوضات العقيمة التي تواصلت على مدار العشرين سنة الماضية، بل إن إسرائيل تعمق ما تسميه الحقائق على الأرض بمزيد من البناء الاستيطاني على حساب أراضينا، خاصة في القدس، الذين يريدون إخفاء طابعها العربي والمسيحي والإسلامي.
وأشار شعث إلى أنه، وبعد اتضاح الموقف من الخطوة الفلسطينية بالتوجه للاعتراف بدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، فإن ثمة العديد من الخيارات التي يجري تدارسها في اجتماعات القيادة الفلسطينية، ومهتمنا الأولى الآن إحياء ملف المصالحة، والمضي قدماً في تحقيقها، وأعتقد أن هناك فرصة جيدة للمضي قدماً في مشروع المصالحة.
بلير
وحول الأنباء التي نشرت عن استياء وغضب القيادة الفلسطينية من مبعوث الرباعية توني بلير، بحجة ممارسته الخداع، وعدم الرغبة في استمراره في منصبه، أو استقباله في رام الله، أجاب شعث: لا أستطيع التعليق على الفعاليات الشعبية ضد بلير، فكل حر في التعبير عما يراه، ولا أستطيع أن أخفي أن ثمة غضباً وحالة من عدم الرضا الفلسطيني من سلوك ودور السيد بلير، خصوصاً في الفترة التي سبقت ذهابنا إلى الأمم المتحدة، ومساعيه لوقف هذه الخطوة .. الدور الحالي لبلير دور سلبي، فاهتمامه الرئيسي والأول ألا يغضب إسرائيل، وهناك العديد من الأمثلة كرد الفعل إزاء ما حدث بعد اقتحام أسطول الحرية التركي، على سبيل المثال، وبالتالي هو يحرص على ألا يغضب إسرائيل .. نحن غاضبون من تصرفات بلير، لكن إذا عدل سلوكه قد تنصلح الأمور، وإذا لم تتعدل قد يكون هناك قرارات من نوع مختلف، لكن حتى الآن لم نطالب بقرار بإزاحته عن منصبه، ونأمل ألا يحدث ذلك.
المصالحة
وحول رد فعل القيادة الفلسطينية على دعوة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لحوار فلسطيني شامل، وما إذا كانت هناك اجتماعات في هذه الفترة، أجاب شعث: من الصعب الإعلان عن الاجتماعات السرية، لكن الأخ عزام الأحمد كان في اجتماع مطول مع أبو مرزوق قبل يومين من توجهنا إلى نيويورك، وهناك اتصالات واجتماعات أخرى عاتبت حماس على تصريحات صغار المسؤولين فيها، وخاصة في غزة كمشير المصري وغيره ممن أساءوا للرئيس أبو مازن، عبر تصريحات "قليلة الحياء"، اعتذرت عنها حركة حماس .. نحن مع الحوار الوطني، ولسنا فقط مع حوارات ثنائية، مع تشجيعنا للحوار الثنائي، على أن يكون حواراً استراتيجياً سياسياً، وليس فقط المصالحة، وكيفية العودة إلى المصالحة، بما في ذلك الحديث عن خطواتنا السياسية الحالية والمستقبلية التي هي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، كخطوة التوجه إلى مجلس الأمن.
حل السلطة
وفي تعليقه على ما يتواتر من أنباء حول إمكانية حل السلطة الوطنية الفلسطينية، كخيار من الخيارات التي تدرسها القيادة الفلسطينية بجدية، أجاب شعث: لا أعتقد أن هناك فلسطينياً مسؤولاً، الآن، يتحدث عن حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن الرئيس وكل اجتماعات القيادة، بحثت في وضع السلطة الفلسطينية، وكيف يمكن أن تستمر بدون سلطة واقعية على الأرض، وبينما غزة محاصرة، وبينما الحواجز العسكرية الإسرائيلية في كل مكان، وكيف تستمر وجيش الاحتلال يستبيح أية مدينة يريد، وكيف تستمر السلطة ونحن معزولون عن القدس، وهي معزولة هناك .. هناك تساؤلات محقة عن ماذا سيكون شكل السلطة في المستقبل، لكن هذا لا يعني أن ثمة قرارا بحل السلطة .. هناك دراسات عديدة حول كل جانب من الجوانب في هذا الإطار، ولكن هناك مسؤولية على القيادة، ومصلحة شعب بأكمله، وعدد كبير من الموظفين، وهناك عدد كبير من أسر الشهداء، والأسرى، والمعونات للأسر المعوزة، كلها تمرر عبر مالية السلطة. وأضاف: نحن الآن في مرحلة البحث الدقيق والعلمي، حول وضع السلطة الفلسطينية، وكيف يمكن تطويره، باتجاه الدولة الفلسطينية المستقلة.